"أحببتك قَبْلَ أَنْ أراكِ"

قَالَ لَهَا وَهُوَ يمازحها : هَل سمعتي أَن شَخْصٌ أَحَبَّ أَحَدًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ ؟ ؟ هَل سمعتي أَنَّ أَحَدًا كَانَ يَعِيشُ مَع شَخْصٌفِي مخيلته ؟ ؟ يُشَارِكُه أَحْزَانُه ، وفرحته ، هَل سمعتي أَن شَخْصٍ كَانَ يَخَافُ أَنْ يَخْسَر أَحَدًا غَيْرُ مَوْجُودٍ ؛ غَيْرُمَوْجُودٍ فِي حَيَاتِهِ الواقعية وَلَكِنَّه يمتلك عَقْلُه وَقَلْبُه ؟ ؟ ؟ هَذَا أَنَّا ، كُنْت ذَلِكَ الشَّخْصُ الَّذِي أحببتك قَبْلَ أَنْ أَعْرِفُك

فَرُدَّتْ عَلَيْهِ : كَيْفَ حَدَّثَ ذَلِكَ ؟ ؟

عَرَفْتُك مُنْذ إنْ فُهِمَتْ مَا مَعْنَى الْحَبّ ، الْحَبُّ الَّذِي يَجْمَعُ بِهِ اللَّهُ بَيْنَ شَخْصَيْنِ فيؤلف بِهِ قُلُوبُهُمْ ، الْحَبّ الصَّادِق

فَسَأَلْتُه وَهَلْ يُوجَدُ حُبّ صَادِقٌ وَحُبّ كَاذِبٌ ؟ ؟ ! !

فَقَالَ لَهَا : نَعَم ، يُوجَد الْحَبّ الصَّادِق هُوَ أَنْ أَخَافَ أَعْصِي اللَّهَ فيكي فيحرمني مِنْك ، أَخَاف أَفْعَل شَيْءٌ يبعدك عَنِّيدَائِمًا مَا كُنْت اِقْتَرَب إلَيْك بِالدُّعَاء ، وَالطَّلَبِ مِنْ اللَّهِ أَنْ يجمعنا فِي حَلَالِه ، الْحَبّ الْكَاذِبُ هُوَ أَنْ يُوهِمَ شَخْصٌ أَحَدًابِأَنَّه يُحِبُّه حَتَّى يَأْخُذَ مَا يُرِيدُهُ وَيَتْرُكُه فِي نَدِم وَحَسْرَة ، أَوْ شَخْصٍ يَلْعَب بِالْقُلُوب كَأَنَّه لَا شَيْءَ وَلَا يَعْلَمُ يَتْرُكُهُ فِيتِلْكَ الْقُلُوبِ مِنْ نُدُوب وَجِرَاح ، إلَّا يَكْفِيه كَسَرَه الْقَلْب فَهَذِه أَخْطَرُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ؟ ؟ ؟ ! ! ! ! الْحَبّ الْكَاذِب لَهُ الْكَثِيرُوَالْكَثِيرُ مِنْ الْمَوَاقِف ، وَلَكِن لِجَمِيعِهَا نِهَايَةٌ وَاحِدَة ، مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، وَكَسْرِه الْقُلُوب ، إلَّا أَنْ يُبْدِلَهُ اللَّه لِحُبّ يُعَرّفُهُ اللّه وَرَسُولُهُ

لَقَد كنتي دَاخِلِيّ دَائِمًا ، نَظَرْت إلَيْك أَوَّلِ نَظْرَةٍ فوجدك تجلسين ترتلين الْقُرْآن بِصَوْتِك الْعَذْب ، ويزينك اللَّهُ بِمَا شُرِعَمَنْ اللَّبْسِ ، فكساكِ بالعباءة الْإِسْلَامِيَّة ، وحرسك مِنْ كُلِّ عَيْنٍ بِالنِّقَاب ، أَجْل كنتي ترتين اللِّبَاس الشَّرْعِيِّ كَمَا أراكِالْآن ، لَقَد وَجَد فيكي كُلُّ مَا هُوَ جَمِيلٌ ، لَقَد زَيْن الْقُرْآن أَخْلَاقِك ، وزينك اللَّهُ بِمَا شُرِعَ مَنْ اللِّبَاسِ ، وُجْدِك تكملينيفِي كُلِّ شَيْءٍ رَأَيْت فيكي إِنَّك تفهمينني وتستحملينني فِي كُلِّ ضَغَط ، لِذَلِك كُنْت أَتَحَدّث مَعَك فِي حُزْنِي وَفِي فرحي ، كُنْت دَائِمًا مَا كُنْت أَحْكِي لِكَي لَقَد خلقتي بداخلي حَتَّى كبرتي ، لَمْ أَنْظُرْ أَبَدًا لِمَا يَنْظُرُوا إلَيْهِ الْآنَ ؛ هَذِه طَوِيلَة وَهَذِه قَصِيرَة ، أَم هَذِه جَمِيلَة وَالْأُخْرَى عَكْسُهَا لَم اِهْتَمّ بِذَلِكَ كُلِّهِ ، يَكْفِينِي أَنَّه زَيَّنَهَا رَبِّي بِقُرْآنِه وَشَرَّعَه

نَظَرْت إلَيْك فِي تعاملك فوجدك طِفْلِه فِي صِغَرِهَا تَتَصَرَّف بِبَرَاءَة الطُّفُولَة

نَظَرْت إلَيْهِ وَهِيَ تُفْتَح عَيْنَيْهَا العسليتين فَكَانَتَا كَاللُّؤْلُؤ وَقَالَتْ لَهُ : أَنَا لَسْت طِفْلِه لَقَد خدعك عَقْلُك وَقَلْبُك فِي هَذَافَإِنَّا أَكْبَرُ مِنْ أَنَّ أَكُونَ طِفْلِه ، ورمقته بِنَظَرِه مِنْ جَانِبٍ عَيْنَيْهَا وَقَالَت : بَلْ أَنْتَ الطِّفْل

رَفَع حَاجِبَيْه وَهُوَ يَنْظُرُ لَهَا وَقَالَ : كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ رَدَّك سَيَكُون هَكَذَا ، لَقَد فعلتي ذَلِكَ عِنْدَمَا كنتي فِي مخيلتي وَأَكْمَل قَائِلًا كنتي طِفْلِه فِي بَرَاءَتِهَا ، طِفْلِه أنتي فِي طبيتها وَقَلْبِهَا الَّذِي لَا يُعْرَفُ مِنْ الْحِقْدِ وَالْكُرْه شَيْءٍ يُعْرَفُ فَقَط كَيْفَ يُحِبُّ وَكَيْف يَطْمَئِنّ ، كُنْت أَدْعُو اللَّهَ أَنْ يجمعني بكِ فِي صَلَاتِي

فَرُدَّتْ عَلَيْهِ وَقَالَت : كَيْفَ عَرَفْتَ أَنِّي مَوْجُودَةٌ فِي عَالَمِك الْوَاقِعِيّ ، لَقَدْ كُنْتُ مَجْنُون فَقَط قالتها وَهِيَ تَضْحَكُ

قَالَ لَهَا : أَنَا كُنْت مَجْنُون بِالْفِعْلِ وَلَكِنْ مَجْنُون بِشَخْصٍ فِي مخيلتي ، وَلَكِن دَعَوْت اللَّهَ أَنْ كَانَ ذَلِكَ الفَتَاة مَوْجُودَةٌفليجمعني بِهَا فِي حَلَالِه ، وَإِنْ لَمْ تَكُونُ كَذَلِكَ فليصرفها عَنّي حَتّى لَا أَظْلَم نَفْسِي أَوْ آجِن ، لَقَد أحكمتِ السَّيْطَرَة عَلَى كلٍ مِنْ عَقْلِيٍّ وَقَلْبِي قَبْلَ أَنْ تَكُونِي زَوْجَةً لِي

أَنْت تُعْرَف ، قالتها وَهَى تَنْظُرَ إلَيْهِ ، لَمْ أَقُلْ أَنِّي لَمْ اخْتَر فَتًى أَحْلاَمِي ، كُنْت أُرِيدُ أَنْ يَكُونَ شَخْصٌ قَرِيبٌ مِنْ رَبِّهِ يُحِبُّهُ اللَّهُ لِأَنَّ إنْ أَحَبَّهَا اللَّهُ فَقَدْ هَدَاه ، كُنْتُ أَقُولُ شخصً يُشَارِكَنِي حَيَاتِي ، يُشَارِكَنِي أحْزَانِي ، وافراحي يَكُونَ لِي سَنَدٌ فِي الدُّنْيَا يُشَارِكَنِي تَفْكِيرِي ، وَإِنْ لَمْ تَمَانُع يُشَارِكَنِي جَنَانِي وطفولتي وَلَكِن الطُّفُولَة الَّتِي قولت عَلَيْهَا أَنْت

أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ مِنْ رَبِّهِ كَي أَطْمَئِن وَأَنَا مَعَهُ وَلَا يَجْعَلَنِي أَخَاف وَأَنَا مَعَهُ ، أَنَّهُ لَنْ يَفْعَلْ إلَّا مَا يُرْضِي اللَّهَ وَرَسُولُهُ ويعاملني كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ

كُنْت أَدْعُو اللَّهَ دَائِماً إنْ يَخْتَارَ لِي الْخَيْرَ ، فَبَعَثَك لِي أَنْتَ ، أَتَذْكُر أَوَّلَ مَرَّةٍ رَأَيْتُك فِيهَا ، وَقَالَت وَهَى تَضْحَك كُنْت كَطِفْل يَتَعَلَّم الْكَلَامُ فِي الصِّغَرِ كُنْت تتهته فِي الْكَلَامِ وَلَا تُعْرَفُ مَاذَا تَقُولُ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَلَمْ تُعْطِهِ فِرْصَة وَأَكْمَلْت : أَجْل كُنْت طِفْل ، أَلَم تَقُل بِأَنِّي طِفْلِهِ مِنْ قِبَلِ وابتسمت

إنْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ قَلْبَيْن وَيُؤَلِّف بَيْنَهُمْ فَهُوَ الْقَادِرُ يُجْعَلَ مِنْ الْأَمْرِ مَا أَيْسَرُه ، وَيَقَع الْحُبُّ فِي القلبين فَلَا أَحَدًامِنْهُمْ يَعْلَمُ مَتَى وَأَيْن وَقَع الْحُبُّ فِي قَلْبِهِ قَالَهَا وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهَا وَيَقُول أَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى نِعْمَتِهِ وَأَنَّه جَمَعَنِي بكِ

ثُمَّ أَكْمَلَ قَائِلًا حَان الْآن لنبدأ فِي مُرَاجَعَة الْقُرْآنِ مَعًا لَقَد انْتَهَيْنَا مِنْ الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ حَتَّى الْآنَ ، فابتسمت وأومأت بِالْمُوَافَقَة.


#أحمد عبد الظاهر. 

#مبادرة _سفراء_ الكتابة. 

إرسال تعليق

أحدث أقدم

تابعنا على الشبكات الاجتماعية

PageNavi Results No.